مسجد السليمانية في اسطنبول

يشرف مسجد السليمانية على القرن الذهبي، متوجًا أحد التلال السبع، وممثلًا لأحد أشهر المعالم الرئيسية للمدينة بأكملها. بني المسجد على يدي أعظم، وأغنى، وأقوى السلاطنة العثمانيين، سليمان الأول (والذي حكم في الفترة 1520-66)، والذي يعرف أيضًا بـ"سليمان القانوني"، وهو رابع مسجد ملكي بني في إسطنبول، بعد مسجد "الفاتح"، مسجد بايزيد "Beyazit" ، ومسجد السلطان سليم الأول. وعلى الرغم من أنه ليس أضخم المساجد العثمانية حجمًا، إلا أنه بالتأكيد أكثرها عظمة وفخامة.
صمم هذا المسجد ميمار سنان، أشهر المهندسين الملكيين وأكثرهم موهبة. وعلى الرغم من أن سنان قد اعتبر المسجد الأصغر Selimiye Camii (السليمية كامي) في إدرنة أفضل أعماله، إلا أنه اختار أن يدفن في السليمانية، لأنه غالبًا كان يعلم أن هذا البناء هو ما سيتذكره الجميع بفضله. ووضع قبره خارج أسوار حديقة المسجد مباشرة، بجوار مبني المدرسة. تم بناء المسجد بين عامي 1550 و 1557؛ وتشير التقارير إلى عمل 3523 من الحرفيين في بنائه.
وعلى الرغم من مروره ببعض الظروف والأوقات الصعبة، بعد تعرضه للحريق عام 1660، وتغطية أعمدته الجميلة بالإسمنت والألوان الزيتية بعد ذلك، إلا أن الترميمات والتجديدات التي تمت في 1956 و2009، أعادته ليبدو في أبهى حلله الآن.
ويعد مسجد السليمانية أحد أكثر المساجد شعبية في المدينة، حيث يقترب عدد المصلين فيه من أعداد المصلين في الجامع الأزرق والجامع الجديد. ويعد تصميم المسجد ورسمه في غاية الجمال، حيث يحتوي على عدة حدائق، بالإضافة إلى ساحة واسعة ثلاثية الجوانب، تتوسطها نافورة وضوء مقببة. ويقال أن المآذن الأربعة بشرفاتها البديعة، تشير إلى أن سليمان كان رابع السلاطنة العثمانيين الذين حكموا المدينة.
أما بالداخل، فإن المسجد يخطف الأنفاس، بفضل حجمه الكبير، وبساطته المدهشة. كما أنه أيضًا مضيء بشكل ملفت. ويعد التصميم الخاص بسنان شديد العبقرية، لأن الدعامات المستخدمة في حمل الأعمدة الأربعة مدمجة في حوائط المبنى، وتزينها لوحات لأروقة من الأعمدة، تحتل المساحات ما بين الدعامات. وببساطة، استطاع المهندس الذي كان في تحدٍ دائم مع العبقرية التقنية والتصميمية لـ"آيا صوفيا"، استخدام التصميم الأرضي لهذه الكنيسة، وعدله بعناية فائقة ليناسب احتياجات مسجد إسلامي. لا يحتوي المسجد على الكثير من الديكورات الداخلية، سوى بعض الموزايك الدقيق في محراب العبادة، ونوافذ زجاجية ملونة مبهرة عمل عليها الفنان الشهير إبراهيم السكير، وأيضًا أربعة أعمدة ضخمة – أحدها من بعلبك، ( تقع الآن في لبنان)، والآخر من الإسكندرية، والإثنان الباقيان من كنائس بيزنطية في إسطنبول. وتمت إضافة الأرابيسك المطلي إلى القبة في القرن التاسع عشر. وإذا قمت بالزيارة في وقت كانت فيه السلالم المؤدية إلى اللوحات الموجودة في الجانب الشمالي الشرقي (أي المواجهة للقرن الذهبي) مفتوحة للدخول، فعليك أن تصعد إلى الأعلى وتخرج إلى الشرفة، لأن المنظر من هذا الموقع هو أفضل مناظر المدينة.
تم تصميم مجمع مسجد (külliye) السليمانية بعناية فائقة، وألحق به العديد من الخدمات العامة: مثل مطعم للفقراء، فندق، مكتبة، مستشفى، إلخ. أما الآن فيحتوي مطعم الفقراء (imaret) ذو الحديقة الساحرة، على مطعم داروزيافي (Dârüzziyafe Restaurant)، وهو مكان رائع للاستمتاع بكوب مبهج من الشاي. أما حديقة الخزامي (ليل بهسيزري) (LaleBahçesi) فهي مكان ساحر للاستمتاع بالشاي أو تدخين النرجيلة، وتقع في ساحة منخفضة بجوار مطعم داروزيافي، وتعد بالإضافة إلى إرزيناكي علي بابا (Erzincanı Alı Baba Fasulyeci) من أكثر الأماكن ذات الشعبية بين سكان المدينة وطلبتها، أما هؤلاء الذين يحتاجون إلى تجديد طاقتهم، فيمكنهم القيام برحلة قصيرة إلى فيفا بوزاسيزي (VefaBozacısı)، أشهر مكان في المدينة يمكنك فيه الاستمتاع بالبوظة، وهو المشروب المنعش الأشهر في مدينة إسطنبول، والذي يصنع من القمح المختمر. ولايزال الحمام العام الخاص بالمسجد يعمل.
وتقع المقبرة بجوار الحائط الشمالي الشرقي للمسجد، وتضم قبور السلطان سليمان، وكذلك زوجته، أو حرمه السلطانة هاسكي (روكسالينا). والأعمال الخزفية في كلا المقبرتين رائعة، ففي قبر السلطان سليمان، تتلألأ الأحجار الكريمة الصغيرة في القبة بالأضواء كأنها نجوم بديلة، أما في مقبرة روكسالينا، فتضفي البلاطات المزينة بالورود، والزجاج الملون الرقيق تأثيرًا روحانيًا صافيًا. يستوجب دخول المقبرتين خلع الأحذية، وإعطاء تبرع صغير، وتغطية الرأس والكتفين (بالنسبة للنساء فقط).